كانت الليلة الأولى لها في المأوى الذي أتى بها إليه و لداها من أشدّ ليالي عمرها المديد قهراَ .لم تستطع النوم .كما لم تفارق الدموع عينيها الكليلتين .ليغفرالله لهما هذا التصرف .ما ضرّهما لو بقيت في البيت الحبيب الذي عاشا فيه أمتع سني حياتها مع زوجها المرحوم ,ومعهما ابنيها الغاليين؟
البيت فسيح ,يتسع لهم جميعا ,هما و زوجتاهما و أبناؤهما ,أحفادها,الذين لا تقل ّ محبتهم في قلبها الواهن عن محبتهما ,هما فلذتا كبدها .و ماذا كانت تشغل هي من البيت غير ركن صغير في حجرة المؤونة ؟
تتذكّر المرأة الطاعنة في السن ,أنها كافحت طويلا مع زوجها لشراء هذا البيت و تأثيثه ليغدو دنياها السعيدة طيلة ربع قرن .بيد أن تغّير ما يخاله المرء سرمدياَ حوّل كل شيء بخلاف ما املت .فالولدان كبراَ,و كبرت معهما الهموم .فكان لا بدّ لها من إفناء جسمها ,و يخاصّة عينيها ,على ماكينة الخياطة لتعيلهما و تعلمهما بعد وفاة أبيهما .
لكنهما كانا دائماَ إبنين محبّين لها يقدّران تضحياتها .لو لا زوجتاهما اللتان لا تدري حقاَ لماذا كانتا تكرهانها و توغران صدري أبنيها عليها .لكنهما ما زالا صغيرين ,و إن تجاوزا الخامسة و العشرين ... و هي لا تحقد عليهما ... بل تجد لهما إعذارا.فالمرأتان الصبيتان ليستا من لحمها و دمها .و هما ضاقتا ذرعا بها,لم يعد منها نفع .و هي بحاجة الى من يساعدها لقضاء حاجتها .لعن الله الشيخوخة .كانت تظن قبلا إنها ستبقى قوية كالجمل ,لا تبرك أبدا. أما و قد آل حالها إلى هذا المآل ,فالملوم في كل شيىء هو القدر .فلو بقي زوجها حيا,حتى و لو كان طاعنا في السن مثلها ,لما كان مصيرها المأوى .فالرجل رجل و لو صار شيخا .و جوده يثري حياتها .و هيبته لاتدع مجالا للولدين في هذا المكان .فرفقته رائعته .لم يعد أمام ناظريها سوى أحفادها الذين تحلقوا حولها و أخذوا ينشجون حينما مضى أبواهما بها خارج البيت في الطريق إلى المأوى .
لا ,لم يكن أحفادها و حدهم قابعين في عينيها الدامعتين .بل و لداها أيضا يخطران و هما بعد صغيران كأبنائهما .لقد حبوا في هاتين العينين قبل أن يحبوا على بلاط الدار .إنها تراهما الآن يراجعان دروسهما على مقربة منها حيث تجلس أمام ماكينة الخياطة ,فتشعر بأن الكون كله لا يتعدّى هذين الكائنين الحبيبين .فمن أجلهما عانت و ظلت وفيّة لذكرى أبيهما تأبى إشراك رجل آخر في حياتهما .
ومع نموهما ,كان ينمو في قلبها الأمل فترى المستقبل مشرقا إذ يعوض هذان الولدان عليها كل ما عانته من أجلهما .ليسامحها الله .ماضرهما لو بقيت معهما و مع أحفادها في البيت , بيتها ؟لكنهما معذوران فامرأتاهما ما كنتا تطيقانها .مع أنها لم تكن تسبب لهما أي إزعاج ,إلا في ما ندر .و خصوصا في المدة الأخيرة حيث تكفل أبنائها بأخذها إلى الحمام بدلا من المرأتين الشابتين التين كانتا تقرفان منها . لقد إنصرم النهار الثاني و إقترب الليل بثقله .يا لهذه الساعات الطوال التي سوف تقضيها في عذاب مستديم .لكنه ,في الليل سيتسع رأسها المضطرب لذكريات كثيرة ,أثيرة لديها .لن تتذكر تذمر كنتيها منها ,و منعهما أحفادها من القدوم إليها في حجرة المونة في غياب و لداها .إنها تتذكر فقط كيف كان و لداها في سن أحفادها ,صغيرين يزرعان البسمة على شفتيها و الألق في عينيها .أما كانت تقول لجاراتها إن ضوء الشمس يشرق من عيون طفليها ؟
حتى في وهدة الليل ,وهي تترقب طلوع النهار التالي ,تسمع غطيطهما الوديع في الحجرة التي كثيرا ماتترك ماكينة الخياطة لتمضي إليها ,فتقترب من سريرهما بخطى متمهلة لتدثرهما بالأغطية خشية البرد ,و لتكحل بؤبؤي عينيها المتعبتين برؤيتهما .فقد كانا كل حياتها و لسوف يبقيان هكذا ,حتى ولو جاءا بها الى هذا القبر المفتوح حين كبرا و تزوجا و أنجبا .فحب الام لا يتغير مهما تغيرت الايام ,و مهما إعترى الذاكرة من نسيان .هما الآن نائمان ,كل منهما إلى جانب إمرأته,مطمئن الى أن أطفاله يرقدون في بيته بسلام .
ها قد طلعت الشمس أخيرا.لا شك أن إبنيها وأفراد عائلتهما الآن قد نهضوا من نوم هنييء ,ويتناولون الفطور قبل ذهاب الاولاد إلى المدرسة ,كما كان حالها و هما بعد صغيران و مع كل الاسى المتراكم في صدرها ,و مع هذه الدموع التي تغشى بصرها .أحسّت أنها سعيدة أو ليسا سعيدين مع أبنائهما و زوجتيهما ؟هذا يكفي .إبتسمت المرأة العجوز متغلبة على ما تخثر في مآقيها من دمع ,إذ أدركت الآن إن جدار هذا المأوى لا يمكن أن يفصلها عن الأحبّة الذين عاشت من أجلهم و لسوف تموت بهدوء كيلا تزعجهم .
البيت فسيح ,يتسع لهم جميعا ,هما و زوجتاهما و أبناؤهما ,أحفادها,الذين لا تقل ّ محبتهم في قلبها الواهن عن محبتهما ,هما فلذتا كبدها .و ماذا كانت تشغل هي من البيت غير ركن صغير في حجرة المؤونة ؟
تتذكّر المرأة الطاعنة في السن ,أنها كافحت طويلا مع زوجها لشراء هذا البيت و تأثيثه ليغدو دنياها السعيدة طيلة ربع قرن .بيد أن تغّير ما يخاله المرء سرمدياَ حوّل كل شيء بخلاف ما املت .فالولدان كبراَ,و كبرت معهما الهموم .فكان لا بدّ لها من إفناء جسمها ,و يخاصّة عينيها ,على ماكينة الخياطة لتعيلهما و تعلمهما بعد وفاة أبيهما .
لكنهما كانا دائماَ إبنين محبّين لها يقدّران تضحياتها .لو لا زوجتاهما اللتان لا تدري حقاَ لماذا كانتا تكرهانها و توغران صدري أبنيها عليها .لكنهما ما زالا صغيرين ,و إن تجاوزا الخامسة و العشرين ... و هي لا تحقد عليهما ... بل تجد لهما إعذارا.فالمرأتان الصبيتان ليستا من لحمها و دمها .و هما ضاقتا ذرعا بها,لم يعد منها نفع .و هي بحاجة الى من يساعدها لقضاء حاجتها .لعن الله الشيخوخة .كانت تظن قبلا إنها ستبقى قوية كالجمل ,لا تبرك أبدا. أما و قد آل حالها إلى هذا المآل ,فالملوم في كل شيىء هو القدر .فلو بقي زوجها حيا,حتى و لو كان طاعنا في السن مثلها ,لما كان مصيرها المأوى .فالرجل رجل و لو صار شيخا .و جوده يثري حياتها .و هيبته لاتدع مجالا للولدين في هذا المكان .فرفقته رائعته .لم يعد أمام ناظريها سوى أحفادها الذين تحلقوا حولها و أخذوا ينشجون حينما مضى أبواهما بها خارج البيت في الطريق إلى المأوى .
لا ,لم يكن أحفادها و حدهم قابعين في عينيها الدامعتين .بل و لداها أيضا يخطران و هما بعد صغيران كأبنائهما .لقد حبوا في هاتين العينين قبل أن يحبوا على بلاط الدار .إنها تراهما الآن يراجعان دروسهما على مقربة منها حيث تجلس أمام ماكينة الخياطة ,فتشعر بأن الكون كله لا يتعدّى هذين الكائنين الحبيبين .فمن أجلهما عانت و ظلت وفيّة لذكرى أبيهما تأبى إشراك رجل آخر في حياتهما .
ومع نموهما ,كان ينمو في قلبها الأمل فترى المستقبل مشرقا إذ يعوض هذان الولدان عليها كل ما عانته من أجلهما .ليسامحها الله .ماضرهما لو بقيت معهما و مع أحفادها في البيت , بيتها ؟لكنهما معذوران فامرأتاهما ما كنتا تطيقانها .مع أنها لم تكن تسبب لهما أي إزعاج ,إلا في ما ندر .و خصوصا في المدة الأخيرة حيث تكفل أبنائها بأخذها إلى الحمام بدلا من المرأتين الشابتين التين كانتا تقرفان منها . لقد إنصرم النهار الثاني و إقترب الليل بثقله .يا لهذه الساعات الطوال التي سوف تقضيها في عذاب مستديم .لكنه ,في الليل سيتسع رأسها المضطرب لذكريات كثيرة ,أثيرة لديها .لن تتذكر تذمر كنتيها منها ,و منعهما أحفادها من القدوم إليها في حجرة المونة في غياب و لداها .إنها تتذكر فقط كيف كان و لداها في سن أحفادها ,صغيرين يزرعان البسمة على شفتيها و الألق في عينيها .أما كانت تقول لجاراتها إن ضوء الشمس يشرق من عيون طفليها ؟
حتى في وهدة الليل ,وهي تترقب طلوع النهار التالي ,تسمع غطيطهما الوديع في الحجرة التي كثيرا ماتترك ماكينة الخياطة لتمضي إليها ,فتقترب من سريرهما بخطى متمهلة لتدثرهما بالأغطية خشية البرد ,و لتكحل بؤبؤي عينيها المتعبتين برؤيتهما .فقد كانا كل حياتها و لسوف يبقيان هكذا ,حتى ولو جاءا بها الى هذا القبر المفتوح حين كبرا و تزوجا و أنجبا .فحب الام لا يتغير مهما تغيرت الايام ,و مهما إعترى الذاكرة من نسيان .هما الآن نائمان ,كل منهما إلى جانب إمرأته,مطمئن الى أن أطفاله يرقدون في بيته بسلام .
ها قد طلعت الشمس أخيرا.لا شك أن إبنيها وأفراد عائلتهما الآن قد نهضوا من نوم هنييء ,ويتناولون الفطور قبل ذهاب الاولاد إلى المدرسة ,كما كان حالها و هما بعد صغيران و مع كل الاسى المتراكم في صدرها ,و مع هذه الدموع التي تغشى بصرها .أحسّت أنها سعيدة أو ليسا سعيدين مع أبنائهما و زوجتيهما ؟هذا يكفي .إبتسمت المرأة العجوز متغلبة على ما تخثر في مآقيها من دمع ,إذ أدركت الآن إن جدار هذا المأوى لا يمكن أن يفصلها عن الأحبّة الذين عاشت من أجلهم و لسوف تموت بهدوء كيلا تزعجهم .
نوع المقال قصة قصيرة
رسالة أحدث رسالة أقدم الصفحة الرئيسية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق