وقائع السرقات الادبية عند العرب كثيرة جداً ويصعب حصرها ، منذ مآل قصيدة " اليتيمة " لشاعر مغمور من بلدة منبج في شمالي سورية في القرن الخامس الهجري ، حيث سرقها منه شاعر مجهول أخر بعدما قتله وهما في الطريق الى نجد ، ليشتركا في مسابقة بين شعراء للحصول على قلب أميرة في تلك المنطقة . وكانت هذه القصيدة التي عرفت باليتيمة هي القصيدة الفائزة بتلك المسابقة . غير أن الأميرة المذكورة شككت في نسبتها للشاعر السارق ، واجبرته على الإعتراف بحقيقة فعلته ، فعوقب .
هذا في الماضي السحيق ولا مجال الآن في هذه العجالة ذكر تلك الوقائع من هذا النوع . لكن في العصر الحديث يعتبر ما أقدم عليه الكاتب العربي المصري يوسف السباعي أفظع سرقة في تاريخ الادب . إذ جرؤ على الإستيلاء على رواية والده غير المطبوعة بعد وهي رواية بعنوان " السقا مات " التي تعتبر من أهم الروايات في الأدب العربي الحديث ، وقد أطلع عليها مؤلفها محمد السباعي احد اصدقائه قبل وفاته. ولهذا ، حينما نشر يوسف السباعي هذه الرواية بإسمه ، لا بإسم ابيه ، انبرى ذلك الصديق وانتقده بكلام جارح
بيدا ان يوسف السباعي وقد لمع نجمه اخيراً ، وعين وزيراً للثقافة في سبعينيات القرن الماضي ، إقتص من صديق ابيه الذي كان قد فضحه على الملأ فأبعده كموظف حكومي الى اسوان حيث مات الأديب مقهوراً
ومن يقارن بين رواية " السقا مات " وجميع أعمال يوسف السباعي يلحظ الشقة الشاسعة بين رواية محمد السباعي المسروقة ، واعمال ابنه ، من حيث العمق والمعرفة في شتى دروب الحياة اللذين عرف بهما محمد السباعي ، إزاء سطحية أعمال الإبن وضحالة ثقافته ، كما يتبين لقارئ هذه الأعمال مثل "إني راحلة " وهي الرواية التي يعتز بها السباعي الإبن " ومبكى العشاق " التي تضمنت عديداً من القصص القصيرة ، مما يجعل الأمر وصمة في تاريخ هذا الكاتب الذي سطا اهم عمل لوالده ، بعد وفاته
وقبل ان يلقى يوسف السباعي حتفه برصاص جماعة من الفلسطينيين في قبرص ، ثأراً من الرئيس المصري آنذا أنور السادات بعدما تفاقم الخلاف السياسي بين الدولة المصرية ومنظمة التحرير الفلسطينية .
وجدير بالذكر أن يوسف السباعي امتعض من عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين حينما قال له ذات يوم : ( أبوك يكتب أفضل منك ) ولا بد أن عميد الأدب العربي قد وقف على واقعة استيلاء يوسف السباعي على رواية ابيه الخالدة " السقا مات " .
نوع المقال أدب
رسالة أحدث رسالة أقدم الصفحة الرئيسية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق